تاونات تقاوم التهميش والنسيان ،وهل سيخرج مشروع التثنية للوجود ؟أم سيبقى حبرا على ورق؟

0 التعليقات

بعد أن حصدت أرواحا وأرواح ،ويتمت أطفالا وأطفال وبعد  كل الخسائر والمعاناة التي عاشتها ساكنة إقليم تاونات مع الطريق الوطنية رقم 8 أو طريق الموت كما يسميها سكان تاونات بعد أن روت جنابتها بدماء الساكنة ،أخيرا مجلس جهة فاس مكناس يصادق على تثنية طريقة الموت 
 ...
أعتقد أن تثنية الطريق كانت مطروحة في المجلس من قبل لكن أجلت إلى هذا العام من أجل تمركز مشاريع الجهة في مناطق لها الأولوية على تاونات وكذلك لمزيد من الحوادث وكأن الساسة في هذا الوطن يتقربون إلى ألهتهم بقرابين بشرية شريطة أن تكون تاونانتية 
 ...

سنفرح بلا شك بهذه المصادقة وسننتظرها بفارغ الصبر ومتأكدين أنها سترفع جزءا بسيطا من التهميش وستساهم في فك العزلة لكن متخوفين جدا جدا من أن يطول الانتظار لسنوات عديدة أو لعقود قادمة ،بل وحتى إذا تم الشروع فيها وتفويتها لمقاول نخشى أن يكون المشروع كعكة من نصيب مقاولة بآليات مهترئة تعمل أسبوعا وتغيب شهورا كما وقع لجل المشاريع الطرقية بإقليم تاونات ...

كما نرفض كل الرفض أي توظيف سياسي لهذا "المشيرع"،أو يتشدق أحد بأنها منة من رئيس الجهة أو من الجهة كما فعل أحد المحسوبين على الآلة الإعلامية الحزبية لحزبه ...

تاونات لا تدين لأحد لأنه لا أحدا يمن عليها أو يتصدق عليها ،تاونات عانت من ويلات المركز والساسة القابعين على صدورنا ،تاونات نالت هذه الكلومترات بعد أن نال الموت من ساكنتها وبعد أن أخذت منها الدولة أضعاف مضاعفة من الضرائب والضرائب،تاونات تنتظر مشاريع حقيقية ترفع عنها التهميش والمعاناة ....
تابع القراءة Résuméabuiyad

والعود أحمد

0 التعليقات
عدنا والعود أحمد ،عدنا إلى متتبعي مدونة الزيتونة من جديد لنتابع الحدث وننشر الخبر ونرصد الأحداث ونقدّم رؤيتنا عن الأحداث بكل وضوح وموضوعية .
عدنا وكلنا أمل في ولادة جديدة لهذه الأمة ولهذا الوطن ولهذه المنطقة ،كلنا أمل في غد مشرق غد الكرامة والعزة والحريّة والعدالة الاجتماعية والهوية والتشبث بقيمنا الإسلامية النبيلة والدفاع عن الإنسان الذي كرمه الله تعالى ليقوم بمهمة الخلافة وعمارة الأرض.
نعود و الأمل يحدونا ان القادم أفضل وان الحق منتصر والباطل زائل ،وان الأمة في الطريق الى فهم معضلتها ومعرفة طريقها .
تابع القراءة Résuméabuiyad

البام والاتجار بأحلام المستضعفين - القنب الهندي ورقة فاشلة -

0 التعليقات
****المناظرة الانتخابية *****
البام والاتجار بأحلام المستضعفين - القنب الهندي ورقة فاشلة -
---------------------------------------------------------
بقلم العربي العياشي
***************

تأخر كثيرا البام في استغلال ورقة زراعة القنب الهندي بالمنطقة ،فساكنة بني زروال اكتشفت في السنوات الأخيرة أن زراعة القنب الهندي مؤامرة محبوكة ضد الساكنة وورقة الهاء الساكنة عن مطالبها الحقيقية وجمرة حارقة رماها بعض "المخزن "مباشرة بعد تدشين سد الوحدة من طرف الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله .
ساكنة جبالة تتذكر كيف روج بعض أعوان السلطة والمقربين من السلطة في المنطقة لمقولة أن المخزن لا يمانع في زراعة القنب الهندي ،بل أن بعض العباقرة ذهب إلى حد تأويل مقتطف من كلمة الراحل الحسن الثاني حين قال كل منطقة تعرف نوع الزراعة المناسبة ...
اليوم ومع أزمة المنطقة الخانقة و انكشاف وهم الكيف والمخدرات الذي حول حياة ساكنة المنطقة إلى الجحيم بسبب توغل بعض رجال الدرك وبعض أعوان السلطة وبعض القواد إضافة إلى تأسد وتغول بعض أباطرة المخدرات الذين توهموا أنهم أمراء على الأهل والعباد،اكتشفت الساكنة الزروالية أن زراعة القنب الهندي كان حلا لبعض المسؤولين وصناع القرار لتملص من تنمية المنطقة تنمية حقيقية تضمن العيش الكريم للساكنة وتحفظ كرامتها ،وأن دخول هذه النبتة كان فرصة لبعض المسؤولين للإغتناء الفاحش وتكديس الثروة وشراء السكنيات وتأسيس مشاريع ما كان يحلم بها لولا القنب الهندي وتحمل المسؤولية في منطقة بني زروال...
في السنوات الأخيرة تراجعت قيمة المخدرات بسبب وفرتها وبسبب دخول أنواع جديدة من نبتة الكيف تتطلب كمية كبيرة من الماء ومصاريف ضخمة للعناية بها مما أثر سلبا على النوع العادي الذي تراجعت قيمته المادية إلى أقل من ربع قيمته في السنوات الأولى ،الأمر الذي جعل المستفدين من زراعة القنب الهندي فئة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال والمقربين من السلطة والذين يتوفرون على مياه كافية للنوع الجديد.كل هذه العوامل أثرت على دخل الفلاح العادي الذي فقد كل شيء ووجد نفسه في وحل من الديون وفي فخ فقر مذقع ،فقر مادي وفقر في المواد الغذائية الأساسية "القمح الشعير الفول والزيت " وفقر روحي وفقر في الكرامة وفقر الأمان، فالخوف استولى على كل مشاعره وأصبح مسكونا بالرهاب كلما رأى دركيا أو قائدا أو فردا من القوات المساعدة.
ساكنة جبالة عرفت لعبة الإلهاء هاته وشربت سم الوهم والأحلام الضائعة في حلول واهية ، ولأنها لضغت من الجُحر مرة فلن تُلدغ منه ثانية ،ولأن ورقة الكيف حرقت بعد سنوات من المعاناة والحكرة و أمال الساكنة في هذه النبتة تبخرت وأصبحنا أمام وضع كارثي ومأساة حقيقة، فإضافة إلى الفقر المذقع فكثير من الفلاحين متابعون بتهمة زراعة القنب الهندي وجل "العيون المائية "نضبت وجف ماؤها وكثير من الأنواع الحيوانية والنباتية انقرضت من المنطقة بسبب الإفراط في استعمال الأسمدة والأدوية الكماوية كما أن انتشار هذه الزراعة أثر بشكل كبير في الانقطاع عن الدراسة وإدمان عدد من الأطفال وشباب المنطقة بالمخدرات ،زد على ذلك الهجرة المعاكسة أي من المدينة إلى المنطقة لعدد كبير ممن كانوا يتوفرون على دخل محترم واستقرار في المدينة....
استغلال ورقة المتابعة القضائية في حق مزارعي الكيف والركوب عليها سياسيا من طرف حزب عرف عنه أنه خرج من رحم الداخلية ودواليب التحكم يثير الاستغراب والضحك وينطبق على "ضربني فبكى و سبقني فاشتكى " فداخليتهم تحرك المتابعات في حق الفلاحين وسياسييهم يركبون عليها في حملاتهم الانتخابية ودعاياتهم السياسية لابتزاز المواطنين وبيعهم للوهم ،فلو كان حقا هذا الملف دوافعه إنسانية لتم عرضه على البرلمان بغرفتيه ولكن أن يقذف به في هذا الوقت يعني أنه ورقة انتخابية دنيئة تستغل ضعف الساكنة ووضعها المأساوي ...
صوت الساكنة الزروالية يقول للبام وللمخزن وللدولة ولكل المكونات السياسية لا نريد من يضعنا في قفص الفقر والتهميش ويسوقنا إلى زراعة الكيف ويحرك المتابعة والاضطهاد في حقنا ويتركنا لأربع سنوات في معاناة حقيقية ثم يأتي في العام الخامس ليسوق أنه المخلص من المتابعة القضائية دون أن يقدم لنا حلا واقعيا .
تابع القراءة Résuméabuiyad

هاكان فيدان أنقذ تركيا أردوغان(1)

0 التعليقات
 بقلم : أحمد منصور
ما سأرويه في هذه المقالة المختصرة هو روايتي كشاهد عيان وليس كناقل للأحداث، والشهادة حق وواجب للأمة ومن يكتمها «فإنه آثم قلبه»، وليغضب من يغضب وليرض من يرضى أما الذين يكتمون الشهادة منذ عقود بحجة أن الوقت غير مناسب وقد ماتت كثير من الحقائق معهم في قبورهم فأمرهم موكول إلى الله.

باختصار شديد كان الانقلاب الحقيقي الذي قاده السيسي على الثورة المصرية في شهر ديسمبر من عام 2012 حينما دعا السيسي القوى السياسية للاجتماع في وزارة الدفاع للبحث عن مخرج للأزمة السياسية دون علم مرسي أو استئذانه أو مشورته، وقد فوجئ أحد الوزراء وهو الدكتور محمد محسوب بالخبر على شاشة الجزيرة، وكان يجلس وقتها في القصر الجمهوري ينتظر لقاء الرئيس الذي كان في اجتماع مغلق، هرع محسوب إلى أحد مستشاري مرسي المقربين منه وأبلغه بالخبر الذي صدم به مرسي، وهناك تفصيلات كثيرة لا مجال هنا لسردها، اجتمع كثير من المخلصين من أبناء مصر من اتجاهات مختلفة وألحوا على مرسي أن يعزل السيسي وكبار قادة الجيش لأن هذا بمثابة انقلاب، وكان هناك شبه إجماع في الأمر كنت شاهدا عليه، لكن مرسي الذي لم يوفق في اتخاذ أي قرار صائب في هذه المرحلة وتراجع عن كثير من القرارات التي أصدرها بعشوائية ودون دراسة رفض رفضا قاطعا، مصرا على أن السيسي أحد رجاله، بل فوجئ الجميع ببيان من الرئاسة أن مرسي سوف يحضر الاجتماع المقرر في وزارة الدفاع ثم أعلن بعد ذلك أن الرئيس لن يحضر ثم ألغي الاجتماع بعد لقاء جمع مرسي مع السيسي، حيث ألح كثيرون على مرسي أن يعتقل السيسي أو يقيله، لكن مرسي خرج من الاجتماع متأبطا ذراع السيسي وهو يضحك بشكل أذهل الجميع.

أدركت مع كل من تدخل في الأمر في ذلك الوقت أن مسألة سقوط مرسي مجرد وقت، وبدأ كثير من المخلصين ينفضون من حول مرسي، وعلى رأسهم وزراء حزب الوسط، التقيت بعدها أكثر من خمسة من مستشاري مرسي، كل على حدة، ومعظمهم كان قوله لي: نحن متفقون معك فيما تقول لكن الرئيس لا يسمع لأحد.

كانت مصر هي أمل كثير من العرب المخلصين، وهنا رواية أنشرها لأول مرة أن أحد الزعماء العرب المحبين لمصر وشعبها أوفد أحد كبار مسؤوليه إلى مصر للقاء مرسي في بداية شهر مارس عام 2013، وجلس هذا المسؤول الكبير مع مرسي جلسة مطولة، حمل له أخبارا فيها تفاصيل مذهلة عن انقلاب يدبر ضد النظام يقوده السيسي ويدعمه الأميركان والأوروبيون، وقدم له خطة استباقية لإفشال الانقلاب، لكن هذا المسؤول الذي كان ضالعا في السياسة الدولية وكان يحتل مكانة عربية ودولية بارزة وليس فقط محلية فوجئ بمرسي يضحك منه ملء شدقيه ويسخر من كلامه حينما تحدث له عن الجيش والسيسي، وقال له بالحرف الواحد وهو يشير إلى بطنه وجيبه، «أنا في بطني بطيخة صيفي من الجيش.. أما السيسي فهو في جيبي الصغير هذا»..

تابع القراءة Résuméabuiyad

أمهات القيم السياسية في القرآن والسنَّة

0 التعليقات
د. محمد بن المختار الشنقيطي*

هذا المقال هو باكورة سلسة مقالات شهرية خاصة بموقع مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، نتناول فيها القيم السياسية الكبرى في الإسلام، ونكشف عن مدلول تلك القيم في وضعها الشرعي، وما شابها من شوائب التاريخ، ومن سوء التأويل والتطبيق على مدى القرون. على أن نبدأ الحديث عن كل قيمة بتحرير معناها في الكتاب والسنة، ثم توصيف الضمور الذي عانت منه في فكر المسلمين وواقعهم. ولسنا نمنح آراء فقهاء السياسة الشرعية والآداب السلطانية سلطة فائضة في هذا المضمار، بل نرى أن الثقة المفرطة في الشرح تحجب عن المتن، وأن سلطة التراث السياسي إذا بولغ فيها تصبح حاجزا بين الناس وبين معاني القيم السياسية الإسلامية كما وردت غضة في الوحي. فالغاية هنا ليست تاريخ الأفكار، بل نفض الغبار عن القيم السياسية الإسلامية، وإرجاع النبض إليها في العقول والأفئدة، لتكون معالم هادية لحياة المسلمين السياسية.
ومن القيم التي ستناولها -بإذن الله- في هذه السلسلة: “القيام بالقسط” و”الشورى” و”المشاورة” و”الأمانة” و”القوة” و”النصح” و”الطاعة” و”النصرة” و”المدافعة” و”الإجماع” و”مال الله”.. كما سنتناول معايير الكفاءة السياسية في القرآن والسنة، ومناهج التغيير السياسي في الإسلاموغير ذلك من معان جليلة، جاء بها الإسلام لتنظيم الشأن العام، وضيَّعها المسلمون فضاعوا، بعد أن ضمُرت في حياتهم، وانحسرت دلالاتها، وانطرمت معانيها في ركام الجدالات الصورية والتكيفات الفقهية والخلافات اللفظية.
لقد أدرك عددٌ من علماء الإسلام ووُعاتِه المعاصرين، أن القيم السياسية الإسلامية لم يسمح لها السياق التاريخي الامبراطوري بالحياة والتفتق. ومن هؤلاء الفيلسوف الشاعر محمد إقبال الذي لاحظ أن القيم السياسية الإسلامية “بقيت أجنَّة” إذ لم تجد سياقا مناسبا للنمو الطبيعي، ومنهم الفقيه الدستوري عبد الرزاق السنهوري الذي توصَّل إلى أن الفكر السياسي الإسلامي لم يتجاوز “مرحلة الطفولة” إلى اليوم. ومنهم مالك بن نبي الذي لاحظ أن الحضارة الإسلامية في شقها السياسي “لم تنشأ عن مبادئ الإسلام، بل إن هذه المبادئ هي التي توافقت مع سلطة زمنية قاهرة. ويمكن إرجاع هذا الضمور إلى أسباب عدة، نذكر منها:
1.  جدلية الاكتساب والاستيعاب: فقد كان مستوى اكتساب المنضوين إلى الإسلام أيام الفتوح أوسع من مستوى استيعابهم في الأطر المنظِّمة لمجتمع المؤمنين: كان الإسلام أوسع من الإيمان.
2.  انهيار الخلافة الراشدة، وما نتج عنه من تحويل وجهة التدين وحصره في الشؤون الفردية بعدما انهار نظام الجماعة. فالواقع المنحرف له أثره السيئ على الفكر لا محالة.
3.  ضغط السياق الامبراطوري العالمي على الروح الإسلامية، فالقيم السياسية الإسلامية يصعب تطبيقها في عالم الامبراطوريات العسكرية الذي كان سائدا، فانهارت الخلافة الراشدة كما انهارت جمهوريات روما وأثينا من قبلُ تحت ضغط الوطأة الامبراطورية.
4.  التأثر الزائد بالمواريث السياسية غير الإسلامية، من ساسانية ويونانية ورومانية، على حساب الاستمداد من الوحي القرآني والسنة النبوية في مجال السياسة والحكمة العملية.
5.  فقدان العقل المسلم مرونته العملية بعد قرون من الانحطاط، فتحول العديد من المبادئ الإسلامية إلى أفكار نظرية مجردة: قد تُساقُ للتمدُّح بجلال الرسالة الإسلامية، لكنها لا تُتَّخذ قاعدة منهجية هادية للعمل.
6.  الجفاء الذي ساد بين أهل القرآن وأهل السلطان نتيجة سيادة الظلم السياسي، مما دفع الفقهاء إلى الإعراض عن هذه الجوانب من فقه التدين والزهد فيها.
بيد أن هذه النظرة المتشائمة تجاه الإصلاح السياسي لم تعد مستساغة في عصرنا الحاضر، حيث تعيش الأمة اليوم تحولا سياسيا، وسعيا للخروج من أزمتها السياسية المضنية، التي ألقت بظلالها القاتمة على واقع الشعوب الإسلامية ودورها في الحضارة الإنسانية، وعلى مستقبل الإسلام رسالة ربانية هادية يحتاجها البشر حاجتهم إلى الماء والهواء.
إن لكل حضارة أزمتها، وأزمة الحضارة الإسلامية أزمة دستورية في جوهرها. وقد أدرك الشهرستاني ذلك فعبر عنه بالقول: “وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلَّ على الإمامة في كل زمان.[1] وهي أزمة بدأت ليلة السقيفة، وتغلَّب عليها الجيل الأول من المسلمين جزئيا حوالي ربع قرن من الزمان، لكنها انفجرت مدوِّيةً في نهاية خلافة عثمان وطيلة خلافة علي، واستحالت حربا أهلية طاحنة بين معسكر العراق بقيادة علي ومعسكر الشام بقيادة معاوية. وقد كانت معركة ليلة الهرير بـ”صفين” قمة التعبير التراجيدي عن تلك الحرب الأهلية، حيث كان “آخر أمرهم ليلة الهرير، وهو الصوت شبه النباح: فَنِيتْ نبالهم، واندقَّتْ رماحهم، وانقصفتْ سيوفهم، ومشى بعضهم إلى بعض، وتضاربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد، فلا تسمع إلا غمغمة وهمهمة القوم، والحديد في الهام، فلما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة، ثم جثوا على الركب فتحاثَوْا بالتراب، ثم تكادموا بالأفواه، وكُسِفتْ الشمس من الغبار، وسقطت الألوية والرايات، واقتتلوا من بعد صلاة الصبح إلى نصف الليل.[2]
وليست ثورات القرن الأول الهجري إلا امتدادا لحرب صفِّين، وتعبيرا عن الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية. ومن هذه الثورات ثورة الحسين بن علي الذي هبَّ “غضبا للدين وقياما بالحق” حسب تعبير القاضي أبي بكر بن العربي[3] وانتهت ثورته بفاجعة كربلاء، وثورة أهل المدينة ضد يزيد، وقد “قاموا لله” حسب تعبير الحافظ الذهبي[4] وانتهتْ ثورتهم باستباحة يزيد للمدينة المنورة. وثورة عبد الله بن الزبير في مكة، وثورة التوابين بقيادة الصحابي سليمان بن صُرد، وثورة الفقهاء بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث. ثم ما تلى ذلك من ثورات أشعلها الخوارج وغيرهم طيلة الدولة الأموية.
ورغم أن الإسلام حمل رسالة كونية وألحَّ على أخوَّة الإيمان منذ البداية، فإن السياق الاجتماعي والثقافي في الجزيرة العربيةحيث ظهر الإسلام أول ما ظهر- لو يكن سياقا توحيديا، لا بالمعنى الاعتقادي ولا بالمعنى الاجتماعي. فالعصبيات القبلية السائدة في الجزيرة العربية آنذاك كانت تتأبَّى على أي تعريف كوني للرابطة الإيمانية أو الإنسانية. ثم أضافت الفتوح الإسلامية السريعة تعقيدا جديدا إلى تلك المشكلات البنيوية. وقد لاحظ الفيلسوف محمد إقبال أن ما كسبه الإسلام خلال الفتوح الأولى من الامتداد كان خسارة له في العمق، فكتب يقول: “إنني أعتبر من الخسارة الكبرى أن يُوقِف تقدمُ الإسلام كدين فاتح نموَّ أجنة التنظيم الاجتماعي والديمقراطي والاقتصادي التي أجدها مبثوثة في صفحات القرآن وفي سنة النبي [صلى الله عليه وسلم].[5]
لقد تشبث العديد من المسلمين بأعرافهم الاجتماعية والسياسية ذات الجذور الضاربة في تاريخهم الثقافي، ولم يتخلوا قط عن ذاكرتهم الدينية والتاريخية. وخلال العقود التالية لوفاة النبي صلى الله عليه توسعت الجماعة المسلمة التي أسسها لتشمل عددا وافرا من الأمم والثقافات، دون أن تكون تلك الجماعة الأولى قادرة على استيعاب الوافدين الجدد في بنيتها السياسية، أو نسيجها الاجتماعي. ويصدق هذا الأمرأكثر ما يصدق- على العراق والشام، مهد أولى الامبراطوريات الإسلامية الكبرى. فكلا البلدين كان مهد حضارات عتيقة،  وما كان من الممكن تفادي الصراع بين النظام الجديد الذي قدمه الإسلام وبين التقاليد الاجتماعية والأعراف الثقافية العتيقة، ولا تجنب الصراع فيما بين تلك التقاليد والأعراف العتيقة ذاتها.
ثم انضاف إلى تلك التصدعات الكامنة انشطار مبكر في الجماعة المسلمة الأولى حول موضوع الشرعية السياسية. لقد بدأ الشقاق السياسي داخل تلك الجماعة الوليدة في اليوم ذاته الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الشقاق التي سيتحول في العقود والقرون اللاحقة إلى انشطار اعتقادي.
ومهما يكن من أمر القيم المعطَّلة مهما كان يكن جلالها لا يمكن أن تنافس القيم المفعَّلة مهما يعتريها من ضعف في بنيتها الأخلاقية أو في تماسكها المنطقي. والقيم السياسية الإسلامية قيم موؤودة ومغدورة منذ قرون متطاولة. ولا أمل للمسلمين في النهوض من كبوتهم التي طال أمدُها، ولا من الفوضى السياسية الضاربة بأطنابها على مجتمعاتهم اليوم، إلا بتفعيل هذه القيم السياسية الإسلامية الجليلة، ونفض غبار التاريخ عنها.. وذاك ما سنسعى إلى الإسهام فيه من خلال هذه المقالات، والله الموفق لكل خير لا شريك له

[1]  محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: الملل والنحل (مؤسسة الحلبي)، 1/22.
[2]  عبد الحي بن أحمد بن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب (دمشق: دار ابن كثير، 1986)، 1/211.
[3]  أبو بكر بن العربي، العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (بيروت: دار الجيل، 1987)، ص 237.
[4]  شمس الدين الذهبي: سير أعلام النبلاء (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1985)، 4/37.
[5]   نقل كلام إقبال مالك بن نبي: فكرة الإفريقية الآسيوية (دمشق: دار الفكر، 2001)، 228.

* أستاذ الأخلاق السياسية
مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق
كلية قطر للدراسات الاسلامية
تابع القراءة Résuméabuiyad

سجل إعجابك ليصلك الجديد

.

الصور للإشهار