في
رمضان قد تطرأ عوارض صحية على المسلم وهو صائم ولا يعرف الحكم الشرعي فيها ، ومع
انتشار وسائل الإعلام والقنوات الفضائية الدينية ، تكون هذه القنوات الوجهة
الوحيدة للمواطن المغربي ليتعرف على حكم مسألة ما ومع كون هذه القنوات أغلبها
خليجية أو مصرية فإن الدعاة وأهل الفتوى فيها يفتون الناس وفق المذهب المتبع وهو
غالبا مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، ومعلوم أن المذاهب الفقهية
السنية اختلفت في قضايا فرعية بحسب اختلاف أصول كل مذهب من المذاهب في التعامل مع
النصوص الشرعية ، وإن كان حقيقة هذا الاختلاف قليل جدا مقارنة مع ما هو متفق عليه،
فإن المغاربة يفضلون معرفة أحكام الشريعة وفق المذهب المالكي .
والمسلم
في كل أمور دنياه يبتغي وجه الله تعالى وعبادته وفق منهج الرسول صلى الله عليه
وسلم، و من أجل تقريب أمور العبادات للناس وخاصة أحكام رمضان المعظم ، سنقف إن شاء
الله في هذا الجزء مع مسألة مهمة يتساءل كثير من الصائمين عن حكم الشريعة فيها
وهي مسألة القيء في رمضان متى توجب القضاء ومتى لا توجبه؟ :
هذه
المسألة لا بد من الانتباه إلى أمر مهم وهو مدار الحكم في المسألة وهي هل الصائم
تعمد القيء أم لم يتعمد وإنما غلبه ذلك، و لكل حالة حكم بناء على ما ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة .
روى
الإمام مالك رحمه الله في الموطأ عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان
يقول”من استقاء وهو صائم فعليه القضاء. ومن ذرعه القيء ، فليس عليه القضاء”
وفي
المدونة الكبرى لمالك بن أنس رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إِذَا
ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ ، وَإِذَا اسْتَقَاءَ طَائِعًا أَفْطَرَ ”
.فمن خلال الحديث الأول والثاني يمكن استنباط الحكم الشرعي في مسألة القيء وهي
كالآتي :
*الحكم الأول:من
سبقه وغلب عليه القيء في الخروج: أي أن الصائم إذا لم يتعمد القيء
وغلبه وخرج إما بسبب مرض، أو إفراطه من الأكل في السحور ، أو بسبب ركوبه في
السيارة أثناء السفر أو أي سبب أخر ، ففي هذه الحالة يكمل يومه
ولا قضاء عليه ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه
وسلم :” إِذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ…” وقوله صلى الله عليه
وسلم:“ ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرُ مِنْهُنَّ الصَّائِمُ : الْقَيْءُ ،
وَالْحِجَامَةُ ، وَالْحُلُمُ “.
فهذه
الأحاديث صريحة في كون القيء الذي يغلب الصائم لا يفطر ، ولكنها لم تبين بلفظ صريح
هل يجب عليه القضاء أم لا؟ الأمر الذي بينه حديث أخر للنبي صلى الله عليه حيث
قال:”إذا ذرع الصائم القيء وهو لا يريده فلا قضاء عليه …” سنن الدرامي ، وهو
قول ابن عمر رضي الله عنه الذي رواه عنه مالك رحمه الله في الموطأ.
وعليه
فالصائم الذي يغلبه القيء، صيامه صحيح ولا قضاء عليه، والعلة في ذلك أن الله تعالى
لا يحاسبنا ولا يأخذنا على الأفعال التي تكون فوق إرادتنا وطاقتنا “ لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا
وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا
وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ “سورة البقرة 286
*******************
الحكم الثاني: من
استقا مستدعيا للقيء متكلف في خروجه وجب عليه القضاء : أي بمعنى أن الصائم
الذي يتكلف في دفع الأكل من بطنه إلى الخارج لسبب ما، يجب عليه أن يكمل يومه
إلا للعذر أخر والقضاء بعد خروج رمضان أي صيام اليوم الذي استقا فيه (تكلف في خروج
القيء) في رمضان. قال أشهب “وإن كان صيامه واجبا فعليه أن يتم
صيامه وعليه القضاء…” المدونة الكبرى.
والدليل
من السنة النبوية المطهرة على حكم القضاء في هذه الحالة قوله صلى الله عليه
وسلم “َإِذا اسْتَقَاءَ طَائِعًا
أَفْطَرَ” أي بمعنى إذا تقيأ الصائم طائعا فهو قد أفطر ، لكن ما هو الواجب
عليه فعله في هذه الحالة ؟ والجواب في حديث رواه الإمام الترميذي رحمه الله
في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :”… ومن
استقاء عمدا فليقض” سنن الترميذي. و مالك في المدونة عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ذرع الرجل القيء وهو صائم فإنه يتم صيامه
ولا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فإنه يعيد صومه” المدونة الكبرى لمالك بن أنس
.
********************
مسألة
: من خلال بحثي – على حسب المستطاع- عن هل يأثم الذي يتعمد القيء في نهار رمضان أم
لا لم أجد أي دليل على ذلك، اللهم أني وجدت روايات تتحدث على أن النبي صلى الله
عليه وسلم أصابه غم فتعمد القيء لكن في غير رمضان فأفطر لأن الذي يتقيأ في غير
رمضان في ندب أو أجر يفطر ويأكل في اليوم الذي كان فيه صائما، أما في نهار
رمضان فعليه أن يتم صيامه وعليه القضاء. ومن ثم فإذا كان الصائم يتعمد القيء في
نهار رمضان ولا يجوز له الأكل وإنما عليه إتمام النهار وقضاؤه بعد خروج رمضان فهذا
فيه نوع من التكلفة التي حرمها الله تعالى وهو عمل غير العقلاء والله تعالى أعلم .