خير المحادث والجليس كتاب
*** تخلو به إن ملك الأصحاب
لا مفشيا سرا إذا استودعته ***
وتنال منه حكمة وصواب
إن البنايات الشامخات والشوارع
الواسعة والسيارات الفاخرة والمصانع الكبيرة، ورابطات العنق، وكل مظاهر المدنية لا
تعني بالضرورة أن الدولة متقدمة ودخلت ركب التقدم والحداثة. وإنما قوة وتقدم الأمم
تقاس بمدى اهتمامها بالكتاب من حيث التأليف والقراءة ، وواهم من يعتقد أن تقدم
الشعوب والأمم كامن خارج الكتاب وأهله وإنما هو يجرى وراء السراب أو كمن ينتظر
قيام الأموات من القبور في الدنيا .
كثير من الدول العربية والإسلامية عن
طريق أنظمتها المرتبطة بالخارج أجهزت على التعليم والقراءة ، وأخذت الكتاب عدوا
لها إلى يوم الدين والذي ينبغي القضاء عليه وعلى أهله،فحولت مؤسسات التعليم
والثقافة والإعلام إلى وسائل للتجهيل و"التكليخ"ومؤسسات تعلن براءتها من
الكتاب وأهله إلى اليوم الذي ينطق فيه رب العالمين كل شيء".
المغرب لم يكن استثناء من هذه السياسة
التجهيلية ووأد الكتاب، وقتل روح الكتابة في الناشئة والشباب وملاحقتها حتى عند
الكبار ، وخلق أجواء عدائية بين الشخص والكتاب وجعله الجحيم الذي لا يطاق من خلال
سياسة تعليمية وإعلامية وأمنية محكمة هدفها في النهاية صناعة شعب
يقول"اللهم إن الكتاب عدو لي في الدنيا و الآخرة ومقلق راحتي في كل وقت وحين
، ومشوش أفكاري في حبي للسلطان وأهله ، وينبهني على فساد أهل السياسة والاقتصاد،
وطريق إلى نقل بلدي من التبعية والتخلف ومحرر الأوطان من العدو, اللهم يا عليم
اقسم ظهر الكتاب و أبعده عني ، وسلط عليه قانون المنع والحجز واجعل ثمنه مثل الذهب
وسلط غضبك على كل من يريد تأليف الكتاب ، واعمي كل من يريد القراءة
والإطلاع".
بالفعل في المغرب وصلنا إلى مرتبة مخزية في
القراءة والكتابة فحسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يصنف المغرب في المرتبة
162 من حيث الكتابة، والمغاربة ينفقون درها واحدا يتيما على الكتاب في السنة في
مقابل أن المتوسط الدولي للإنفاق على الكتاب يقدر ب25 درهم. وحسب أحدث التقارير
الدولية كذلك فإن معدل السنوي للقراءة بالنسبة للمواطن العربي لا يتجاوز 6 دقائق
في مقابل 200ساعة للمواطن الغربي .
هذه الأرقام الصادمة في بلد مثل المغرب ستبقى وصمت عار على
كل واحد منا ، بلد أول جامعة في العالم ، جامعة أرض المغرب حاضنتها وسفينة علمها
رست في أرضنا ،وكانت حلقت الوصل بين الشرق والغرب ، بين الماضي والحاضر فكانت
القرويين قلعة لتسليم مفاتيح المعرفة والعلم إلى أوربا التي كان طلابها يحجون
إليها للغرف من علومها المختلفة، بلد عرف عن شعبه اهتمام كبير بطلاب العلم
والعلماء واحترام الكتاب والقلم، وطن عرف بالحفاظ والعلماء والاجتهاد وتعدد مدارسه
الفقهية "مدرسة أهل فاس ، ومدرسة أهل سوس ، ومدرسة الشمال....." .
المغرب الذي عرف بالدكتور عابد
الجابري و منهجه في قراءته للتراث ، والفيلسوف الكبير طه عبد الرحمان والدكتور
العروي ... واللائحة تطول من المفكرين والعلماء سواء في الماضي أو الحاضر
هؤلاء شعاع النور لنا لنعود إلى الكتاب والقلم وما يسطرون، بلد بمثل هؤلاء
يصل إلى هذا المستوى من الضعف والهوان في القراءة والكتابة يضعنا أما سؤال مقلق
ومحير وهو :من المسؤول عن هذا الوضع؟ .