قصة :مالك وظريفة

0 التعليقات
مالك شاب من بني عذرة، حسن الوجه، جيد الشعر، كان في رحلة صيد ذات مرة، فمرّ بعين ماء، اجتمعت حولها مجموعة من الفتيات، لم تلفت انتباهه منهن سوى واحدة. انفردت بنفسها تمشّط شعرها الطويل، فلما أطال النظر إليها، وقعت في قلبه. وتحرّك فؤاده بحبّها.
وتشجع الفتى وذهب يتحدث إليها، فلما ردّت عليه، هاله جمال صوتها، حتى سقط مغشياً عليه، فرّشت ظريفة عليه الماء، ولما أفاق، أنشد:

خرجتُ أصيدُ الوحش صادفتُ قانصاً     مِن الريم صادتني سريعاً حبائلُه
فلمّا رماني بالنبالِ مسارعا    رقاني وهل ميت يداويه قاتلُه؟

عاد مالك إلى قومه، لا يدري ما به، إلا أن المرض تمكّن منه، فلم يبرحه، حتى سألته أمه سرّ ما يعاني، أخبرها بالقصة، فذهبت إلى ظريفة، وتوسلت إليها أن تزوره ليشفى، فرفضت. لكنها أعطتها خصلة من شعرها، حين أمسكها مالك، ومّررها على وجهه، أفاق.
لم يَعد لمالك همّ سوى ملاحظة ظريفة، واختلاس النظر إليها وهي بين أقرانها، ومحاولة كسر الحصار حولها للقائها، لكنه لم يستطع، ولم يكن بيده سوى الشعر رسولاً بينهما، فحمّله شكواه ونجواه، وجعله لسان حاله لمحبوبته.

وذهب مالك لخطبة ظريفة، لكن أهلها رفضوه، لقوله الشعر فيها، كعادة العرب قديماً، إذ كانوا ينفرون ممن يتغزل في نسائهم، ويخشون لو زوجوه، أن يُظّنُ بنسائهم السوء، وزادوا فأسرعوا بتزويجها من أول رجل طرق بابهم.
لما عرف مالك الخبر، بكى بكاء يقال إنه لم ينقطع أياماً، واسودّت الدنيا في عينيه، حتى بدا كأنه فارقها، وهو لا يزال على ظهرها.
حاول أهله تسليته، ومواساته، فلم يكن يستمع إليهم، حتى كفّ تماماً عن الطعام والشراب، ولم يعد يفتح فمه إلا لقول الشعر في محبوبته، حتى انطبق فمه مرة أخيرة.
وكان آخر ما قاله:
ليبكني اليوم أهلُ الودّ والشفق    لم يبق من مهجتي إلا شفا رمق
اليوم آخر عهدي بالحياة فقد   خلصتُ من ربقة الأحزان والقلق

ولما علمت ظريفة الخبر، أتت قبره، وظلت تبكيه، وتحسو ترابه على رأسها، حتى انقلبت ميتة جواره، وسط بكاء كل من حضر الواقعة.


المقالات تعبر عن رأي صاحبها

تابع القراءة Résuméabuiyad

سجل إعجابك ليصلك الجديد

.

الصور للإشهار