دراسة علمية: الإيمان يثبط «التفكير التحليلي» ويحفز «التعاطف» في الدماغ

 علاء الدين السيد عن ساسة post
إنّها مجرد دراسة، لا شيئًا مؤكدًا بنسبة 100%، ليس قانونًا موثقًا، ولا مسلمةً معترفًا بها، لكنها نتيجة مُرجحة وصل إليها عدد من العلماء، سيختلف معهم البعض، ويستنكر نتيجتهم. وعلى الرغم من البداية الصادمة للوهلة الأولى، إلا إنك ستلاحظ أن الأمر قد يكون منطقيًا، بخاصة وأن البحث أظهر نتائج مُثيرة أخرى.
العلماء يرجحون أن البشر يثبطون المناطق في الدماغ المسئولة عن التفكير التحليلي، وفي المقابل فإنهم يُشغّلون المناطق المسئولة عن التعاطف، وذلك في سبيل أن تؤمن بوجود إله. العلماء يرجحون أيضًا أن العكس صحيح، فعندما تقوم بالتفكير حول عالَم الفيزياء، فإن مناطق التعاطف في الدماغ يقل نشاطها، ويزداد نشاط المناطق المسئولة عن التفكير التحليلي.هل ترى أن هذا الترجيح صحيح؟ دعنا نتعرف على التفاصيل.

تفاصيل البحث

البروفيسور توني جاك، رئيس فريق الباحثين، يقول إنه عند وجود سؤال ما يتعلق بالإيمان، فإنه من وجهة النظر التحليلية يبدو أمرًا «سخيفًا»، هكذا وصف نظرة أناس كثيرين لهذا السؤال. الفكرة هنا مبعثها أن الإيمان لا يحتاج منك إلى عملية تحليلية معقدة؛ لأنه اعتقاد ما راسخ في الوجدان ولا يحتاج كثيرًا للتفكير بشأنه.
جاك يقول: إن ما فهموه عن الدماغ، هو أنه عندما يقفز الإيمان في لحظة ما إلى الواجهة بقوة، فإنه يقوم بدفع فكرة التفكير بصورة نقدية، أو بصورة تحليلية جانبًا، وذلك بغرض مساعدتنا على تحقيق مزيدٍ من التبصر الاجتماعي والعاطفي. هذا الأمر ليس مستغربًا في الواقع، ففي كثير من الديانات نلاحظ هذا الأمر بوضوح، عندما يتعلق الأمر بدينك فإنك تعتمد مبدأ التصديق التام لما فيه، وبالتالي فإن الجزء التحليلي من دماغك، يتوقف بشكل نسبي عن العمل.
في المقابل، نلاحظ أن المبدأ الأساسي لغالبية الأديان، يتمثل في الجانب الروحاني، وبالتالي فإن الجزء من الدماغ المسئول عن التعاطف يبدأ في العمل بمنتهى القوة، بناءً على ما يعطيه الجسم من علامات عاطفية وروحانية من الهدوء النفسي والسكينة الداخلية.
هذا البحث المُكوّن من ثمان تجارب، نُشر في إحدى المجلات المتخصصة، ومن بين الأمور المميزة التي أبرزها البحث، كانت ملاحظة أن البشر الذين يتميزون بإيمان قوي، ظهر بوضوح أنهم أكثر تعاطفًا من الآخرين. بمعنى آخر فإن الإيمان يبرز فيك الجوانب العاطفية على حساب الجوانب التحليلية المنطقية.
نلاحظ هذا الأمر بوضوح في عالمنا الحالي، الذي يميل نحو المادية، والقسوة كلما اتجه نحو العلم فقط. قلة الاهتمام بين الناس والسلبية فيما يخص المشاكل التي تحدث للآخرين، بدءً من جارك الذي يفصلك عنه جدار واحد إلى دول تدمر وشعوب تهجر وأطفال تقتل، دون أن يهتم أحد بما يجري. وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى العلم بشكل كامل، نجده يبتعد بوضوح عن الدين والإيمان بأي أمور روحانية.

التجارب

فحصَ الباحثون العلاقة بين الإيمان بالإله، وبين المقاييس الخاصة بالتفكير التحليلي، وبين الاهتمامات الأخلاقية، من خلال ثمان تجارب مختلفة، كل تجربة منها، أُجريت على ما بين 159 إلى 527 مشارك متطوع. وعلى الرغم من أن كلًا من الاعتقاد الروحاني والاهتمامات العاطفية لا تتعلق بشكل إيجابي بكثرة أو عدد الصلوات، وعمليات التأمل، فإنها أيضًا لا ترتبط بشكل إيجابي بالتواصل الاجتماعي، مثل: تناول الغداء في الكنيسة بشكل جماعي نتيجة الارتباط الديني بالكنيسة.
وفي بحث آخر سابق، أشار البروفيسور جاكس برين، باستخدامه صور رنين مغناطيسي على الدماغ، إلى أن مخ الإنسان يملك شبكةً تحليليةً من الخلايا العصبية، التي تمكن البشر من التفكير بشكل نقدي. البروفيسور أوضح أيضًا أن الإنسان يملك شبكة اجتماعيةً من الخلايا العصبية التي تمكنه من إبداء والشعور بالتعاطف.
ويعود هنا البروفيسور جاك، لتوضيح الأمر، فيشير إلى أنه نتيجة لوجود توتر بين هاتين الشبكتين، فإنه بالقيام بإزاحة وجهة نظر طبيعية خاصة بالعالم حولنا، فإن هذا يعمق من الجانب الاجتماعي والعاطفي عندنا. ويضيف البروفيسور إلى أن هذا الأمر ربما يكون المفتاح لفكرة «لماذا توجد المعتقدات الخاصة بالقوى فوق الطبيعية في تاريخ جميع الثقافات الموجودة على سطح الأرض تقريبًا؟»، فهذا الأمر تقبل أن تكون وسيلة ضرورية غير مادية لمحاولة فهم هذا العالم وطبيعة وجودنا فيه.
يقول العلماء: إن العقل البشري يستخدم كلا الشبكتين في استكشاف الكون من حوله. فعندما يقع العقل البشري أمام مسألة فيزيائية ما، فإنه يقوم بتشغيل شبكة التفكير التحليلي والمنطقي، ويُثبّط عمل الشبكة الاجتماعية. والعكس أيضًا، فإذا ما وضع العقل البشري أمام معضلة أخلاقية معينة فإنه يقوم بتشغيل الشبكة الاجتماعية والعاطفية فيه، ويقوم بتثبيط عمل الشبكة التحليلية.
ويضيف العلماء هنا أن عملية التثبيط التي تحدث لإحدى الشبكتين، ربما تكون هي المسئولة عن الصراع الذي يحدث بين الدين والعلم. يقول أستاذ السلوك التنظيمي في جامعة «كيس ويسترن ريزيرف case western reserve»، ريتشارد بوياتزيس: إنه بسبب قمع كل شبكة للشبكة الأخرى فإن هذا يخلق حالةً من المبالغة تجاه كل منهما. نلاحظ كيف أن بعض المجتمعات العلمية ترفض الدين بشدة ويصل الأمر إلى حد محاربته. ونلاحظ أيضًا كيف أن بعض المجتمعات الدينية ترفض التفسيرات العلمية بالكلية ولا تعتقد أنها صحيحة.

فوائد هامة

الفائدة الرئيسة من هذا البحث، ومن كل ما ذكرناه سابقًا، ربما يكون هو معرفتنا وفهمنا لكيفية عمل الدماغ البشري، وبالتالي محاولة إيجاد توازن وعقلانية أكبر في المحادثات الوطنية والعالمية التي تتضمن الدين والعلم. بمعنى آخر يمكن أن يسهم هذا الأمر في التقريب بشكل عام بين العلم والدين، لأن عقلنا البشري يعتقد بالفعل في كليهما. فلو تأملت الدين فأنت تستغني عن جزء من عقلك، ولو أهملت العلم فأنت تستغني أيضًا عن جزء من عقلك.
هذا البحث إذا ما أخذ بجدية أكبر، فربما يضع نهاية للحرب الضروس التي تدور من قرون ماضية بين رجال الدين وبين رجال العلم. ليس هذا فحسب، لكنك ستكون قادرًا على فهم أن هناك بعض المواقف التي لا يصح أن تستخدم فيها الجانب التحليلي من دماغك، كما أن هناك بعض المواقف التي يجب أن تترك فيها العنان للجانب التحليلي. الذكاء الحقيقي، سيكون معرفة متى تطلق العنان للجانب التحليلي، ومتى تطلق العنان العنان لجانبك العاطفي ليكون هو قائدك وملهمك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق

مرحبا بكم في الزيتونة

سجل إعجابك ليصلك الجديد

.

الصور للإشهار